الأيديولوجيا المذهبية

وتوظيف التاريخ في الجدل الكلامي قراءة نقدية لسردية الجعد بن درهم

اسم المؤلف : عبد الله الغزي ‎

‎

 
في كل مذهب إسلامي سرديات تاريخية، وقد تكون المستندات الإبستمولوجية لهذه السرديات ضعيفة، كما يمكن أن تتحول بعض هذه السرديات إلى وعي جمعي تُستخدم لتفسير حالة عامة أو لنقد رأي معين وتتبناها جماعة من الناس ينتظمون ضمن مذهب كلامي أو فقهي؛ فتتحول هذه السرديات التاريخية إلى أيديولوجيات مذهبية تشكل للمؤمنين بها رؤية تاريخية عامة وتستخدم في الجدالات المذهبية؛ سواء في أحقية الذات أم في دحض الآخر، وذلك في مقامي: «التفسير التاريخي» و«النقد الكلامي والفقهي». إلا أن هذه الأيديولوجيات المذهبية مجرد وعي زائف؛ وذلك بتطبيق القراءة التاريخية لعامة المصادر الإسلامية، التي ستكشف عن منشأ هذا الوعي الزائف، وهو تجاوز إشكالات التراث، وبناء المعرفة التاريخية على نصوص ذات سياق معين يتحيز لها الباحث -بحكم النشأة والانتماء- دون مساءلة أو مقارنة.إن الجعد بن درهم، المقتول في أواخر زمن بني أمية؛ هو أحد أهم السرديات التاريخية في وعي المتأخرين من المنتمين للسياق الأثري -بمفهومه العام- التي تحولت إلى أيديولوجيا مذهبية استخدمت للتفسير وللنقد. ولا يزال حضور هذه السردية التاريخية ماثلًا في وعي عدد من أبناء هذا السياق إلى يومنا الراهن حتى على مستوى الرسائل الجامعية؛ هذا مع تطور أدوات النقد التاريخي!لذا؛ كان هذا الكتاب لكي يقدم قراءة نقدية لسردية الجعد بن درهم وفق قراءة المتأخرين من أهل الأثر؛ مبينًا اضطراب المصادر الإسلامية حول هذه الشخصية اضطرابًا يرفع اليقين عن أي رؤية محددة لحقيقة الانتماء الفكري لها، والأصول الجغرافية التي تعود إليها، وطبيعة الآراء التي أعدمت لأجلها. كما يبين هذا الكتاب كيف تحولت هذه السردية التاريخية، بسبب انتقاء بعض الروايات والأقوال والمبالغة في توظيفها؛ إلى أيديولوجيا مذهبية ليس لها تلك الصلة الواضحة بالواقع التاريخي التي طالما أنزلت عليه وربطت به؛ وذلك لكي تفسر بهذه السردية التاريخية كل مخالفة عن جادة السياق الأثري في باب الصفات مع استخدامها لنقد عامة المخالفين، وإن كانت لا علاقة تربطهم بالجعد بن درهم ولا بالقول الذي أُعدم بسببه، وذلك بحسب ما انتقاه المنتمون للسياق الأثري من الروايات التي قيلت حول إعدامه؛ فكانت سردية الجعد بن درهم مجرد أيديولوجيا مذهبية آمنت بها جماعة من الناس إلى عصرنا الراهن؛ إلا أن البحث العلمي، بأدواته المنهجية؛ تكفل بتبديد سطوتها. ولعل هذا الكتاب يؤدي دورًا في تصحيح الوعي التاريخي للمشتغلين بهذا الحقل من أبناء المجتمع الأثري -الذي ينتمي المؤلف إلى سياقه- من جهة، وأن يفتح المجال لمراجعات أخرى يقدمها أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى لسردياتهم المذهبية من جهة أخرى