أثر النقل على لغة العرب وفكرها قديماً وحديثاً
:In stock
: 9789948817581
Share:
تعد اللغة أهم مقومات الوجود الحضاري والسِّمَة المميزة للأمم. ولا يخفى خطر اللغة في تشكيل هوية قوم ما وفي توثيق عرى انتمائهم إلى الأمة. إن اللغة وسيلة لفظية كتابية تُتوسل في تشكيل الفكر، وتطورها تابع لتطور العقل، إذ من المحال تطور الفكر ما لم يساوقه تطور لغوي يستوعب كل جديد فيه وحادث. والتطور المعرفي رهين بالتواصل الثقافي، فما من فكر نشأ وتدرج في مراتب الرقي بعيداً عن الترجمة والمثاقفة أدبية كانت أم علمية أو فلسفية. وما دامت اللغة نتاجاً بشرياً فهي تتفاعل مع محيطها تأثيراً وتأثراً، وموتها أو حياتها رُهِن بموت أهلها أو حياتهم. فالترجمة هي العامل الذي يمد جسور التلاقح المعرفي بين نتاج الآخر وخصوصيات الذات، حيث تجعل من نفسها أُولى وسائط التفاعل الحضاري، إذ كانت ولا تزال، إلى جنب وسائل أخرى، أبرز قناة لنقل المعارف بين الأمم. إنها الباب الذي يلج منه الوافد الأجنبي إلى الثقافة المحلية، فيكون لها كبير الأثر على توجيه فكرها وتطوير لغتها. وما أفرغنا فيه الوسع في كتابنا هذا هو تبيان أثر النقل والترجمة على لغة العرب وفكرها قديماً، وكذا تأثُّر اللغة والفكر العربيين بالترجمة حديثاً، كاشفين عن كيفية إقحام الترجمة ـ ماضياً وحاضراً ـ العرب في عوالم معرفية جديدة لم يكن لهم بها سابق عهد، وإيقافهم على نتاج عقول غيرهم من الأمم، وفتح أبواب المعارف العلمية لهم، وكيف طفرت بهم إلى ما وراء حدود أفقهم المعرفي، مبرزين للكيفية التي عمل بها النشاط الترجمي على توجيه الممارسة الفكرية عند العرب، وتغيير منحى فكرهم في القديم والحديث. ثم جهدنا بعد ذلك في التدليل على أثر الترجمة على العربية وكيف أدت إلى توسيع أفقها، وكذا كيف أورث أثر الترجمة على نسق الفِكَر العربية تطوراً في ألفاظها وتغيراً في عمودها. كل هذا وما يندرج تحته من تفصيلات وتفريعات عملنا على بسطه وتوسيع القول فيه في ثنايا بحثنا هذا.