المنتقى النفيس من تلبيس ابليس
:In stock
: 9786038298053
Share:
المنتقى النفيس من تلبيس ابليـس
اسم المؤلف : ابن الجوزي
بقلم علي حسن علي عبد الحميد
جزء من تقديم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَن يضلِل ؛ فلا هادي له.
وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإِنَّ الله يقولُ في مُحْكَمِ قُرآنِه حكايةً عن إبليس : قَالَ أَنظِرني إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ قَالَ فَمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَاتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَنِهِمْ وَعَن شَمَابِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَكِرِينَ ﴾ [الأعراف : ١٤ - ١٧ ] . فهذه الآية الجليلةُ تُبَيِّنُ معالمَ حَربٍ مشتَدَّةِ بينَ الشيطانِ وجُندِهِ من جهة، وبين أولياء الله وعبادِهِ مِن جهةٍ أُخْرى.
وهذه الحربُ الشَّعْواءُ لا عاصِمَ للمؤمِنِ مِنها؛ إلا استعانَتُهُ بربِّهِ سبحانه، وتسلُّحُهُ بالعلم النافع والعَمَلِ الصالح، حتى لا يَجْعَلَ للشيطانِ وجُنْدِهِ مَنافِذَ منها يسلكونَ، وإليه بواسطتها يَدْخُلُونَ.
والشرارة الأولى لهذه الحربِ القاصفةِ كَانَتْ منذُ أَنْ خَلَقَ الله سبحانَهُ نبيَّهُ آدَمَ : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) [طه: ١٢٠].
ومِن يَوْمِها والحَرْبُ سِجَالُ بينَ الشيطانِ ومُريديه، وأولياء الله وعَابِدِيهِ، فأحياناً يكونُ الظهورُ لجانِبِ الشَّرِّ، وغالباً تكونُ الغَلَبَةُ لجانبِ الخير .
ولقد تنبه عُلماءُ الأمَّةِ وصفوة الأئمَّةِ إِلى هَذا الصراع العاصفِ، فأَلَّفوا المؤلَّفاتِ الكثيرة المُنَبِّهَةِ للعِبادِ الصادقين، والمسلمين المُتَّقِينَ،
تُحَذِّرُهُم مِن شُروِر إِبليس، وتنهاهم عن مفاتنه وتلبيساته : فأَلَّفَ الإمامُ ابنُ أَبي الدُّنيا المتوفَّى سنة (٢۸۱هـ) كتابه «مكايد الشيطان» (۱) .
وأَلَّفَ الشيخ أبو حامد الغزالي المتوفى سنة (٥٠٥هـ) كتابه «تلبيس إبليس
وألف مصنفنا الإمامُ الهُمامُ ابنُ الجوزي كتابه «تلبيس إبليس)
وجاءَ مِن بعدِهِم الإمامُ ابنُ قَيّم الجوزية المتوفى سنة (٧٥١هـ)،
فألف كتابه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (٢) .
وهكذا في سلسلة من المصنّفاتِ العلميَّةِ النافعة التي أراد أصحابها - رحمهم الله تعالى - كشف مصايدِ إِبليس، وإظهار تلبيساته،
وإيضاح تَغْرِيراته . وإذ الأمر كذلك؛ رأَيْتُ مِن واجبي أَنْ يكونَ لي نَوْعُ إِسهام في استمرار هذه المسيرة النيّرَةِ الطيبة، ولكن ....
قَرَأْتُ في سيَرِ أَعلام النُّبَلاء » (۲۷۳/۱٥) لمُؤرّخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي في ترجمةِ الإِمام المُقري ابنِ مُجاهد ما نصه : «قالَ ابنُ أَبي هاشم قالَ رجلٌ لابنِ مجاهد : لِمَ لا تختار لنفسِكَ حَرْفاً؟ قال : نحنُ إِلى أَن تَعمَلَ أَنفُسُنا في حِفْظِ ما مضى عليهِ أَتَمَّتُنا أَحوَجُ منا إلى اختيار».
فوقع كلامه الله في قلبي، فتَلَمَّسْتُ كتاباً يمكن لي مِن خلالِ خدمتِه أن أُضيف سلاحاً جديداً بيَدِ عبادِ اللهِ الموحدينَ، ضدَّ الشيطان اللعين، في حَرْبِهم معه حتى يَسْتَكين! فكان الاختيار لكتاب تلبيس إبليس» للإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى ، وذلك لأسباب :
أَوَّلاً: حُسْنُ مُعالَجَتِه لِما طَرَقَهُ في كتابه مِن مواضيعَ مُهِمَّة تنتفع بها
ثانياً : مُشابهة الواقع الذي تكلَّم عنه المؤلِّفُ في كتابه للواقع الذي نُعايِشُهُ في أَيَّامنا هذه.
ثالثاً : الشُّهْرَةُ الكبيرةُ التي نالها الكتاب بين طبقاتِ الناس كافةً: خاصة وعامة .
رابعاً : عدَمُ وجودِ نُسخةٍ مُحَقَّقَةٍ التحقيق العلمي الذي يطمَئِنُّ إِليه المسلم المعتاد وطالب العلم .
وغير ذلك من أسباب لا تخفى عند التأمل .
فقمت بتصنيف هذا الكتاب الذي بين يديك - أخي القارئ - على النحو الذي ترى ؛ سائلاً الله سبحانه أن ينفع به قارِثَهُ، والناظر فيه، وأن يكتُبَ الأجر لمؤلفه تعلله ومُنتَقِيه، إِنَّه سميع مجيب ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمينَ .
كتبه
أبو الحارث الحلبي الأثري