الكافية الشافية فى الانتصار للفرقة الناجية
:In stock
: 6287015570672
Share:
الكافية الشافية فى الانتصار للفرقة الناجية
اسم المؤلف : الامام ابن القيم الجوزية
الامام ابن القيم
وَكَتَبَ
أَبُو الْحَارِثِ الحَلَبِيُّ الْأَثَرِيُّ
مُقَدِّمَةٌ
باسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ اللهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، ونَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ:
فَأَسَاسُ دَعْوَةِ الرُّسُل - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - مَعْرِفَةُ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - بِأَسْمَائِهِ، وَصِفاتِهِ، وَأَفْعَالِهِ.
ثُمَّ يَتْبَعُ ذَلِكَ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَعْرِيفُ الطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إِلَيْهِ ؛ وَهِيَ شَرِيعَتُهُ : المُتَضَمِّنَةُ لأَمْرِ مْرِهِ وَنَهْيِهِ . الثَّانِي: تَعْرِيفُ السَّالِكِينَ مَا لَهُمْ - بَعْدَ الوُصُولِ إِلَيْهِ - مِن النَّعِيمِ الَّذِي لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةِ العَيْنِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ .
وَهَذَانِ الأَصْلَانِ تَابِعَانِ ِللأَصْلِ الأَوَّلِ، وَمَبْنِيَّانِ عَلَيْهِ؛ فَأَعْرَفُ النَّاسِ بِاللَّهِ : أَتْبَعُهُمْ لِلطَّرِيقِ المُوصِلِ إِلَيْهِ، وَأَعْرَفُهُمْ بِحَالِ السَّالِكِينَ عِنْدَ القُدُومِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ : رُوحاً ؛ لِتَوَقُفِ الحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَيْهِ، وَ نُوراً؛ لِتَوَقُفِ الهِدَايَةِ عَلَيْهِ؛ قَالَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) - في مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ ) ، وَقَالَ : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَبُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْتَهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمِ ﴾ [الشورى: ٥٢].
فَلَا رُوحَ إِلَّا فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَلَا نُورَ إِلَّا فِي الاسْتِضَاءَةِ بِهِ؛ فَهُوَ الحَيَاةُ، وَالنُّورُ ، وَالعِصْمَةُ، وَالشَّفَاءُ، وَالنَّجَاةُ، وَالأَمْنُ . والله أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ؛ فَلَا هُدَى إِلَّا فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ دِيناً يَدِينُهُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقاً لِدِينِهِ. وَقَدْ نَزَّهَا نَفْسَهُ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ العِبَادُ إِلَّا مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الصافات: ١٥٩، ١٦٠] قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ : هُمُ الرُّسُلُ (۱) .
وَقَالَ اللهُ الله سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَمُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: ۱۸۰ - ۱۸۲] ؛ فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الخَلْقُ ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى المُرْسَلِينَ - لِسَلَامَةِ مَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ ، ثُمَّ حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالأَوْصَافِ الَّتِي يَسْتَحِقُ عَلَيْهَا كَمَالَ الحَمْدِ» (٢) . وَصُدُوراً مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ : أَلَّفَ عَدَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ السَّابِقِينَ، وَنَفَرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ المَاضِينَ : مُؤَلَّفَاتٍ كَثِيرَةٌ فِي تَثْبِيتِ القَوَاعِدِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا أَبَوَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ - ضِمْنَ أُصُولِ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ الخَالِصَةِ - ؛ وَذَلِكَ بِتَشْيدِ أَرْكَانِهَا ، وَتَأْصِيلِ أُسُسِهَا ؛ فِي تَصَانِيفَ مُتَنَوِّعَةٍ : مَا بَيْنَ جُزْءٍ صَغِير، أَوْ كِتَابٍ كَبِير . وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءِ وَالأَئِمَّةِ الكُبَرَاءِ : إِمَامَانِ جَلِيلَانِ، وَعَالِمَانِ كَبِيرَانِ؛ هُمَا : شَيْخُ الإِسْلَام الإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ؛ المُتَوَفَّى سَنَةَ (۷۲۸هـ)، وَتِلْمِيذُهُ الإمَامُ العَلَّامَةُ ابْنُ قَيْم الجَوْزِيَّةِ ؛ المُتَوَفَّى سَنَةَ (٧٥١هـ)؛ فَأَلْفًا، وَصَنَّفَا، وَقَعْدَا، وَشَرَحَا، وَنَظَمَا ، وَنَثَرَا : الشَيْءَ الكَثِير ، وَالدُّرَّ النَّثِير ؛ مَمَّا كَانَ لَهُ الْأَثَرُ العَظِيمُ، وَالخَيْرُ العَمِيمُ ؛ الَّذِي لَا نَزَالُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ - بَعْدَ وَفَاتَيْهِمَا بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ،
أَوْ أَزْيَدَ! - عَالَةٌ عَلَى مَا كَتَبُوهُ، وَأَضْيَافاً عَلَى مَوَائِدِ مَا صَتَّفُوهُ وَأَلْفُوهُ ... فَرَحِمَهُمَا اللهُ - تَعَالَى - رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ ، وَأَجْزَلَ لَهُمَا المَثُوبَةَ وَالأَجْرَ، وَكَتَبَ لَهُمَا إِدَامَةَ الذِّكْرِ ، وَجَمَعَنَا وَإِيَّاهُمَا - وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ - فِي جَنَّتِهِ، مَرْحُومِينَ بِعَفْوِهِ، مَشْمُولِينَ بِمَغْفِرَتِهِ. ... وَهَذَا الكِتَابُ - الَّذِي أُقَدِّمُهُ اليَوْمَ لإِخْوَانِي طَلَبَةِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَدُعَاةِ مَنْهَجِ السَّلَفِ - وَهُوَ : الكَافِيَةُ الشَّافِيَةُ فِي الانْتِصَارِ لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ» - : هُوَ كِتَابٌ فَرِيدٌ فِي مِثَالِهِ ، لَمْ يُنْسَجْ عَلَى نَسَقِهِ وَمِنْوَالِهِ ؛ لَمْ يَدَعْ فِيهِ مُؤَلِّفُهُ وَاللَّهُ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ عَقِيدَةِ السَّلَفِ إِلَّا بَيْنَهُ، وَأَفَاضَ فِي ذِكْرِهِ، وَلَمْ يَتْرُكُ - يَرْحَمُهُ اللهُ - بِدْعَةٌ كُبرى ،
أَوْ مُبْتَدِعاً خطيراً : إِلَّا تَنَاوَلَهُ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ، وَكَرَّ بِالنَّقْضِ عَلَى شُبُهَاتِهِ وَتَمْوِيهَاتِهِ . فَغَدَا هَذَا الكِتَابُ - النَّظْمُ - أَشْبَهَ مَا يَكُونُ - بالمَوْسُوعَةِ الجَامِعَةِ لِعُيُونِ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةَ ، وَالرَّدُ عَلَى أَعْدَائِهَا مِنْ جُهَّالِ وَضُلَّالِ الأُمَّة . . اية الكافة وَلَقَدْ نَظَرْتُ فِي طَبَعَاتِ الكِتَابِ وَنَشَرَاتِهِ (۱) : فَرَأَيْتُهَا تَتَسَابَقُ فِيمَا بَيْنِهَا : أَيُّهَا أكثرُ نَقْصاً وَتَحْرِيفاً ! وأكبرُ سَقْطاً وَتَصْحِيفاً !! فَأَلَيْتُ عَلَى نَفْسِي - بِتَوْفِيقِ رَبِّي - أَنْ أَقُومَ بِنَشْرِهَا نَشْرَةٌ جَدِيدَة ، بِصِحْةٍ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَكِيدَة؛ رَاجِياً مِنْ رِبِّي - سُبْحَانَهُ - أَنْ يَرْزُقَنِي الإِخْلَاصَ فِي القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَأَنْ يُلْهِمَنِي رُشْدِي، وَيَقِينِي شَرَّ نَفْسِي ؛ إِنَّهُ - جَلَّ شَأْنُهُ - وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ . وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
وَكَتَبَ
أَبُو الْحَارِثِ الحَلَبِيُّ الْأَثَرِيُّ
بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ السَّبْتِ ١٨ رجب ١٤١٩هـ