العمدة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
:In stock
: 338407
Share:
العمدة في الفقه
على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
اسم المؤلف : ابن قدامة المقدسي
تحقيق: أحمد بن وجيه القطوعي
جزء من مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من ومن سيئات أعمالنا ، مَن يَهده الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلل فلا
أنفسنا شرور هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد؛
فإن الله سبحانه وتعالى لم يأمر نبيه بسؤال الزيادة إلا من العلم فقال : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: ١١٤] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من
يُرِدِ الله به خيرًا، يفقهه في الدين» (۱) .
ولا يخفى على آحاد طلبة العلم - فضلا على خاصتهم ـ ما لعلم الفقه من شريف المنزلة، وجليل القَدْر ، وما زال هذا العلم يتدرج ويتطور من عصر
إلى عصر بدأ بعصر النبوة والتشريع وما جاء عن الله وعن رسوله من الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسُّنَّة والتي تلقاها الصحابة الكرام من
فيه صلى الله عليه وسلم ثم بعد وفاته عليه أفضل الصلاة والتسليم انتشر الصحابة فاتحين مشارق الأرض ومغاربها حاملين معهم إرث النبوة مما تعلموه وفقهوه عن نبيهم ، مُبَلِّغين آيات الله وأحكامه مجتهدين فيما يرد إليهم من النوازل والوقائع الفقهية، فأَخَذ عنهم ونشأت التابعون بإحسان، وتفقهوا بهم المدارس العلمية في الكوفة والمدينة وغيرهما من حواضر الإسلام، وقام عليها أولئك التابعون وكلُّ منهم آخذ بطريقة من تَلَقَّى عنه من الصحابة، متأثرا بمسالك استدلاله.
وما زال هذا العلم يأخذه العلماء كابرًا عن كابر، حتى أتى عصر الأئمة الأربعة الأعلام، فكتب الله لهم القبول والحظوة عند عباده، وسَخَّر لهم من قام بنشر أقوالهم ،وتحريرها حتى غدت مذاهب ،معتبرة، يُصْدر عنها ويصار إليها، وأصحاب كل إمام من الأئمة يحررون أقواله وينقحونها، ويؤلفون المُطوَّلات في ذلك والمختصرات .
وما زال أصحاب كل مذهب من المذاهب يبتكرون ما يُقَرِّب فقه إمامهم لأصحابهم ولتلامذتهم بالشروح والتبسيط وجمع الفتاوى، ووضع
المختصرات الفقهية التي تُمكن الطالب من جمع فقه إمامه وحفظه. ولم يكن الحنابلة بمنأى عن ذلك الحراك الفقهي؛ فقد حرصوا على
كتب جمع فتاوى الإمام وأقواله في ما عُرف بالروايات، وجُمع ذلك في المسائل المشهورة، منها التي جمعها ابناه عبد الله وصالح، ومنها ما جمعها أبو داود السجستاني، وحرب الكرماني وغيرهم.
وفي صعيد المختصرات فقد وضع أئمتهم العديد من المختصرات الفقهية، مثل مختصر الخرقي والمقنع، ومن أنفع مختصراتهم الفقهية وأجلها
عمدة الفقه المُوفّق الدين أبي محمد عبد الله أحمد بن بن محمد بن قدامة، الجُمَّاعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي - نعم لله - (ت : ٦٢٠هـ ) . ولا يخفى على عامة طلبة العلم - فضلا على خاصتهم - مكانة هذا الكتاب وما تميز به من أمور، لعل أهمها :
۱ ـ أنه ،مختصر فقد اختصر فيه كثيرًا من الجزئيات الموجودة في غيره من المختصرات فلا تكاد تجد في الباب إلا أهم المسائل وأصولها ثم ألف «الكافي» وذَكَر فيه من الروايات أكثر من روايتين، أحيانًا يذكر ثلاثا، وأحيانًا أربعًا، وأحيانًا يستوعب ما رُوي عن الإمام، ويذكر الدليل؛ ليتعلم الطالب كيف يستنبط من الدليل وَوَجه الاستدلال من الخبر.
وألف للمنتهين كتاب «المغني» الذي ذكر فيه أقوال أهل العلم؛ من يوافق المذهب ومَن يخالف بالأدلة؛ لكي يتأهل الطالب للاجتهاد؛ لأن الطالب إذا اعتمد على متن، وتَصوَّر مسائله تَصوُّرًا صحيحًا ـ بمراجعة الشروح والحواشي، ومزاحمة الشيوخ ومُدارَسة الأقران - استدل لهذه المسائل، ونظر في أقوال أهل العلم، المُوافِقة والمُخالفة، ووَازَن بين أدلتهم، وحينئذ يخرج بقول راجح وبعد ذلك يتأهل للاجتهاد، ثم نقول له حينئذ ـ إذا أنهى متنا على هذه الطريقة - : تَفَقَّه من الكتاب والسُّنَّة أما قبل ذلك فتوجيهه إلى التفقه من الكتاب والسُّنَّة مباشرة تضييع ،له فالجوادُّ المسلوكة عند أهل العلم، المطروقة منذ قرون، وتواطأت عليها الأمة، وتتابع عليها علماء الإسلام، هي الوسيلة الناجحة لتحصيل الفقه وغيره من هذا الكتاب الذي بين أيدينا متن ،متين ،متوسط، صالح للمبتدئين من الطلبة، نافع، ألَّفه مؤلفه ليكون الدرجة الأولى في السلم، سُلَّم الصعود إلى قمة العلم، وعَرَفنا أن الدرجة الثانية عند مؤلفه المقنع»، ثم «الكافي»، ثم العلوم .
المغني" . فالغرض من هذا الكلام السابق أن تعلم أن كتاب «عمدة الفقه» ليس الكتاب الوحيد لابن قدامة في الفقه الحنبلي، وأنه لم يكن يكثر من التأليف اعتباطًا، وإنما وضع ذلك الكتاب ليكون للمبتدئين من طلبة العلم، فناسب ذلك أن لا يذكر خلافًا، وأن يعدل عن ذكر الروايات في المذهب، وألا يهتم فيه بالمسائل المتفرعة واختصره عن أن يسهب فيه بالأدلة والشواهد، فضلًا أن يناقش ويناظر أقوال المخالفين ويعرض أدلتهم وحججهم .