عقل غير هادئ

سيرة عن النفس والاكتئاب والجنون

اسم المؤلف : كاي ردفيلد جايمسون

‎

يمتد المرض النقدي في عصرنا الحالي وتستشري في تشكيل الكيانات البشرية، فالزمن هو زمن الله والجري والتنافس الشرس الذي يورث القلق والإحباط، وهو الزمن الذي تحول فيه الإنسان إلى ترس في الآلة، وإنتاج، في حين تتوارى احتياجاته النفسية ومتطلباته الروحية وراء الستائر اللازمة له وكماليات الحياة الكثيرة والتشابك. ورغم ذلك فإن الأمراض النفسية وتكثر، إلا أن القليل جداً معروف عن أنواع وتفاصيل وأعراض هذه الأمراض. فالخطاب الاجتماعي يجبر الناس على تكتم وتعتيم على هذا، واحتضنت أنفسهم بالسرية الشديدة، حتى لا هم في أذهانهم، في مؤثر المريض ابتلاع معاناته، وازدراد آلامه فقط دون مساعدة طبية، وباشر ما يلجأ في مجتمعاتنا العربية للمشعوذين والدجالين أملاً في التخلص من عقوبة عذاباته! كتاب "عقل غير تخفيف" لوجود هذه الإشكالية التداخلية والعمق، في الاتصال عن قرب مشاعر من يراقب الحالي تملص منبين قبضته، وتخرج من حدود مكوناته، فلا يعود يتعرف على معالمها، ولا يطالب بأجزاءها، ولا يحدد ردود أفعالها. كتاب "عقل غير هادئ" للدكتورة والأكاديمية المتخصصة في علم النفس "كاي ردفيلد جاميسون" يأخذ القارئ في رحلة المغامرة داخل مسار نفس ثرية الوجدان شاعرية الملامح، ويرق به إلى متاهات ذات مرهفة الحس، مختلفة الحاشية، أرهقها طول العذاب، وناءت بما تحمله من آلام، في سيرة ذاتية شجاعة ومدهشة ومفعمة بالصدق والبوح الشفيف والتصوير المذهل لتفاصيل آلام وعلاجات يعاني منها ملايين البشر في مختلف القاعات الأرض، ثم يغلقون صدورهم على مجرياتها وأحداثها، ويحكمون الأقفال والمتاريس على المنافذ تلك مصرحة حتى لا تؤوي خارجاً جالبة لأصحابها العار والسمع والطعن في أُمن ما يملكه الإنسان وما ينمايز به بقية أعضاء: الذهن. كيف يمكن أن تكون تفاصيل وملامح هذه الطائرات المثيرة إلى عالم سحر النشوة والحليق في آفاق الفن والأدب والشعر المركز، ثم الارتحال ارتجاعياً للكآبة والسوداوية وأسكتال من الظلمات فيما فوق بعض الأشخاص بيدهم لم يكتفوا بذلك؟ رحلة ملهم دربها باحتمال الموت، والرغبة في التخلص من حياة الألم والعذاب هي أبرز عنوانها. ومن ذلك الكرء الذي يخوض تلك التجربة؟ وملامحه النفسية وقسماته الشعرية؟ وكيف يمكن أن يطور الشخص على قدر كبير من القرار والشفافية والذكاء والتميز بين قمم الأعضاء والخيال والإنجازات ثم يترنج ويسقط في مهاوي والجنون والإحباط؟ والقارئ وهو يلهث بين صفحات الكتاب، لا يملك إلا أن يعجب بالدكتورة جاميسون، التي قررت، في لحظة صادقة، أن تخلع الأقنعة، و الأحجبة، وتخرج على الجمهور لتحكيا الرهيبة مع مرض قاس عليه "ذهان الهوس كثاني"، أو "الاضطراب" الوجداني ثنائي القطب"، غير مبالية بما في ذلك قد يجره عليها ذلك البوح من سيئ قد عجزها، ليس فقط إلا أكاديميا ويعلمها، ولكن يحترم الناس لها، خاص بأن لا يعرفها ذات صلة بمعالجة الأرواح القلقة والنفوس المعذبة، ويغور بعيدًا في مجاهل النفس البشرية محاولًا الحصول على مفاتيحها وشفراتها. والكتاب صرخة صادقة ودعوة لوح والمكاشفة تخترق مناطق وعرة لم يسبق لها مثيل وكاتب سيرته الذاتية على تجنبها وتفاديها، ومكاشفة من هذا النوع يعتبر ضروري جدا إن لم تكن نادرة، فهي تتجاوز الأسوار إلى مناطق بكر لم تقبل أن فضتها الأقلام أو اجترحتها الى، وهي رحلة شائكة في مجاهل النفس البشرية وداخل وعورة دروبها، لتصفيف أدق المشاعر التي مرت بها الدكتور جاميسون خلال طريقها المزروعة بالجراح والآلام في رحلتها التي تصل في قممها إلى النشوة الساحرة المسافرة على أجنحة الطيور الحب والشعر والجمال، ثم تلجأ في سفحها إلى عتمة وظلمة أنفاق الكآلة حتى الوصول إلى حواف الجنون. لأنه يستعمل هذا الكتاب، من محاولته صنع تغيير جذري في نظرة الناس للعلاج النفسي، وفي تعاطيهم معنا، كونه يشعل الضوء، وينير العتمة الواضحة بذهان الهوس التمييزي الخاص وبالأمراض النفسية الأخرى العامة. والكتاب أيضًا ييقشع الضلالات التي تتضمن بالعلاج بالعقاقير الطبية، ونؤكد أن هناك من احتياجاتها، حتى لا تسقط فريسة لآلامه ومعاناته، وكي لا تقوده قصوة تلك الآلام المستفيدة من حياته. كما بدأ الكتاب في ممارسة نفتقدها في العالم العربي، وهي أهمية دور جلسات المعالجة النفسية (السيكوثرابي) ودور الدواء الهام في الأخذ بيد مريضة، وتفهم معاناته، وإنارة بقع في طريق ماتم ليفهم نهائياً، ويدرك تفاصيل معاناته. ومن أهم ما يقوله الكتاب ويوضحه أن المرض الذي يعاني منه الإنسان لا يختلف عن ذلك الذي يعاني منه الجسد وإذا كان يفوقه ألماً وقسوة