القارئ
:متاح
: 9789777512343
يشارك:
القارئ
اسم المؤلف : برنهارد شلينك
وقع مايكل الفتى بسنواته الخمسة عشر في نتيجة غير متكافئة مع هانا السيدة الثلاثية، ويكرّر مشهد قراءة مايكل جاكسون من الأوديسة لها بعد أن غادرت ممارسة الحب، لتشترط عليه لاحقًا، أن يتم تنزيله كتبًا في المرات توقف قبل الشروع في المقاطعة.
وقد هانا من عاش فجأة، ويعاني من تبعات هذا الهجر الكثير.
"لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعل؟"
وما أن يستيقظ مايكل من هول الصدمة، ويتابع حياته في دراسة القانون، حتى شهد يوم محاكمة لشخص من السجّانات أبّان فترة الحكم النازي، ماتتهم بمقتل 300 امرأة يهودية حين تركن ألسنة النار تلتهم النسوة الأسيرات في الكنسية، ولم يستجبن للنداءات النسوة الاستغيثات، وبقيت الأبواب مصدّة والمفاتيح بحوزة السجانات لم تجوعهن قط، ولم تعرف الرحمة إلى قلوبهن سبيلا. في غمرة هذه المحاكمة المحاكمة فرانسيسكو فرانسيسكو عندما يسمع صوت هانا التي كانت ضمن المتهمات، لتتهاوى آخر قلاع حبه المراهق أمامه.
حقق الرواية تأزمها الأخلاقي، حين تعترف هانا بالكامل في البقاء على السجينات في الكنيسة وهي تحترق، بل وتنكر على القاضي تحاكمها بان إعدام إنسانها، وسأله: ” لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعل؟”
تفاهة الشر
إن كان من اليسر علينا محاكمة راسكولين بطل رواية (الجريمة والعقاب) لدوستويفسكي، حيث اعترف بجرمه ودوافعه النفسية والفكرية في مقتل المرأة العجوز التي وصفتها بالملّة. ندخل في متاهة فلسفية مع رواية (القارئ).
لم تتساءل عن نفسها فيما يتعلق بحيواناتها في عمليات الإبادة النازية قبل المحاكمة. فالشر الصلب الذي وصفه زيجمونت باومان والذي يعتمد على مرجعية متكاملة متكاملة، من كره أو حقد، لم يكن حاضرًا في قصة هانا، فهي لم تقتل النسوة لإنها تكرههنَّ، أو لإنها تكنُّ لهنَّ مشاعر العداء، كل ما في الأمر أنها كانت تحكم تعليمات عُليا دون أي. تفكر، دون أن تكون لها رأي شخصي خاص فيما يحدث. تمامًا كما هو موضح في الصورة التالية:
” الجلاد ليس لأجلعاً لأي أمر، يؤدي إلى عمله، ولا يكره الناس يعدمهم، ولا يحتاج ثأرهم، إنه لا يسببهم لإنهم عقبة في سبيل ذلك، أو لأنهم يهددونه أو يونههم. كما مجرّد أمر غير ذي بال بالنسبة له، فجأة أن بوسعه أن يقتلهم بالهولة نفسه الذي يمكن أن لا يصيبهم."[i]
ي مارسني مشهد الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت، والسيجارة لا تفارق يدها، وهي تستقبل محاضرتها حول تفاهة الشرّ في الفيلم الألماني الذي تناول سيرة حقوق الإنسان في ستينيات القرن العشرين بعد حضورها لجلسات المحاكمة النازي أدولف آيخمان في القدس حين تقول:
“أعظم الشرور هي شرور يرتكبها أشخاص منكرات، ليس فقط لديهم أي حامل ولا شعارات وليسوا سيئين، وليس لديهم غايات شيطانية، يرتكبه أناس يرفضون الوحيد منهم أن يكون الألم”.
إن كانت أرندت ترى أن أعظم المجازر قام بها أناس مثل آيخمان لا يكنون أي مشاعر عدوائية أو كره للضحية، وهذا لا يعني انتفاء تهمة حرقة الأخلاق. تمثل هانا النموذج الأنثوي من شخصية آيخمان النازية، فهي قد تشارك في عمليات الإبادة الجماعية بما في ذلك أسماه زيجمونت باومان ب (غريزة إتقانة).
إذ إنصاعت غريز لسبب ما، كما هو معروف، دون مساءلة التعاونية حول إن كانت تلك النائبة التي تدفعها لترك النسوة يحترقن في الكنسية، وتتواجد نعرفها أيضا أم لا، فالشر في فريق الاتصال حتى يصل إلى حد الاعتياد، عندها نصل إلى مرحلة العمى الأخلاقي كما أسماها باومان.
تستدعي هذه الأخلاقيات لأنه لا يوجد شيء في جرم الأخلاقيات في محكمة الأخلاقيات المجتمعية، والطريق الوحيد للحفاظ على الأخلاق هو الشريران، وألا تأمر الأخلاق فوق الجميع.
ولكن ألم تقدم هانا على حماية ما لها في ظل الدولة ولا ترى في تلك التصرفات فعليا؟
دفعنا هذا السؤال إلى التخصص النظري بول ريكور الذي تحدث عن (المسؤولية الإجرامية) التي تتولى مسؤولية الفرد المسؤول عن الذنب، بينما في (المسؤولية السياسية) تطلب النظام السياسي الإبداعي العمليات الإجرامية، ووفق هذا التقسيم يمكن القول إن هانا كانت مجرد موظفة إدارية في نظام مجرم، وهي تمثل نفسها، ولا تمثل النظام النازي بجملته، والشركة التي تمثله بشخصية سطحية منتقاة من العمق. فالشر ليس شيئا جذريا في تركيبتها النفسية. لكن هذا الأمر لا ينفي أيضًا بسببها عن أفعالها، تتذكر أنك توقفت ضد هذا النظام الذي خسروا وظائفهم مثل والد مايكل، أو حتى.
تصاب آمالنا بمقتل حين ندرك أن القانون في الدول لا يرتبط دومًا بقيم العدالة أو الإنسانية، فاللعبودية كانت مشروعة قانونية، والتمييز بيني كذلك، فما الذي يكفل لنا أن تكون قوانين عادلة؟
تشومسكي وميشيل فوكو
هذه العضلة التي تأكلها كل من المفكرين ناعوم تشومسكي وميشيل فوكو في منافسة تلفزيونية مشهورة في عام 1971، ناقشا فيها متى يكون عصيان القانون عملًا شخصيًا؟
ذهب فيها تشومسكي إلى القول بأن القوانين قد تتعارض مع العدالة، فهي متعددة من العدلات المجردة من العدالة. نلخص في حوار مايكل مع الرجل العجوز الذي أوصله بالسيارة إلى المعتقل، والذي يبدو أنه كان شخصًا نازيًا فيما قضى بعضًا مما طرحه المفكرين السابقين في مناظرهم.
يسأل مايكل: “ما هو القانون؟ هل ما يوجد في الكتب، أم ما إبقَ بالفعل، ويتبعه المجتمع؟
أم أن القانون هو ما يجب تطبيقه واتباعه، سواء كان في كتب أو لم يكن؟
– آه أنت تريد أن تفهم لماذا ينشر الناس مثل هذه الأشياء الفظيعة؟ ما الذي تريد أن تفهمه؟ أن يقتل الناس بدافع الشغف، أو الحب، أو الكره، أو من أجل العنف، أو الانتقام، أهذا ما نريد أن نفهمه؟
لكن الناس، الذين لا يعرفون في المعسكرات لم يفعلوا شيئا من الأشخاص الذين قتلواوهم، أهذا ما تريد أن تقوله؟ هل كنت تقصد أنه لم يكن هناك سبب للكره أو للحرب؟
أين تعلم علم الجريمة؟
حرصت هانا في اتصالاتا مع مايكل على الطقوس الاغتسال، وقد كانت تلك الط ملازمة لعلاقتها به، بل إن بيتها كان يبق بروائح المنظفات، يؤكد إن حرص هانا على النظافة والاغتسال دليل على أخفاء في الطهر الروحي يشابه الطهر الجسدي الذي تقوم به.
يقول مايكل:
“في الماضي رومانسية خاصة بقصصها. دائما ما كانت تفوح منها رائحة طازجة، رائحة حمام منعش وملابس خروجة..”[iii]
كانت هانا تبدو وكأنها تعاني بطريقة أو بأخرى من مايكل، كان يبدو دائمًا (الولد) أو (الفتى) كما لم تكن تحب أن تناديه، وكانت قد شاركت في هذه المصالحة ورسمت مسارها، ولم تتوان عن استخدام القوة والعنف بما في ذلك جرح كرامتها، ومع ذلك ذلك لا يبدو بخجل لا يوصف أمام مايكل بسبب أميتها، أجزاء هو سرها الذي دفع ثمنه غاليا فيما بعد، وصف هانا حالتها فرانسيسكوا: ” دائما ما كان ينتابني عدة أجزاء ما ما من أحد فهمني على أي حال، ما من أحد يعرف من كنت، وما الذي بلاكني فعلت هذا أو اخترت، وأنت تعرف عندما لا يفهمك أحد، فلا أحد يطلب منك تفسيرا، ولا حتى هيئة القضاء كان من يستطيع محاسبتي، لكن الموتى يمكنهم ذلك… كانوا في السجن مع كثير من الأحيان ، كانوا يأتون كل ليلة، سواء اختاروهم أم لا، قبل المحاكمة كان لا يزال بوسعي تأجيلهم عندما يريدون المجيء.
ليس هناك شيء متأخر.
أدركت هانا لاحقاً قبح جرمها، وقدتتكفير عنه، بالتخلص من أميتها، فتعلمت في سجن القراءة الكتابية، وعكفت على قراءة ما يعرف باسم أدب روبرت، إلى جانب قراءة سير الجناية، وخصصت أموالها للناجية من المحرقة بعد موتها.
هل هناك علاقة بين الأميّة والأخلاق؟
اقتل مايكل عن موقفه من الأمية:
"الأمية هي التابعة، وبعثورها على الدعم لتعلم القراءة، تقدمت هانا من التبعية إلى الاستقلال، خطوة بخطوة للتحرر."
لكن ماذا عن جميع العلماء والمهندسين والمؤهلات العليا الذين انخرطوا في عمليات الإبادة؟ ألم ترغب في علمهم بالتمتع بحسّ سامّان؟ فهل تجعلنا نقرأ الأدب أكثر من أي شخص، وهل سنتمكن من حساسيتنا وتواصلنا مع الآخرين؟
يبدو أن كاتب الرواية ينحاز إلى المقولة التي تؤكد على الدور الأخلاقي للأدب، فهانا حين تعلمت القراءة عفت على قراءة الأدب، الأدب بما في ذلك عصره بين جوانحه من قيم إنسانية، من روح، وعاطفية، من ربيع لأغوار الذات الإنسانية.
فالأدب هو خلاصة رؤية الكاتب للحياة والوجود. هو تعبير عن خصوصية (الأنا) وتفردها، وذلك حتى ما كانت تفتقده هانا بينما كانت تعمل في المعتقلات النازية الجراند آلي واخترت إلى أعمال الأعضاء والعاطفة. أصبحت بل إن هانا قادرة على تشكيل رأي نقدي أدبي خاص كما في قولها: “قصائد جوته أشبه بالمنمات في إطار جميل..”
تحمل العتبة العنوان الألماني للرواية بلينها معنى القارئ الذي قرأ بصوت عالٍ، هذا المجسم على معنى الهدف، ووجد متلقّى للآخر. تقول مايكل عن التسجيلات الصوتية للكتب التي كانت ترسلها لها وهي في السجن:”كانت القراءة بصوت طريقتي للتحدث معها ومعها.” عصر عنوانه في طياته دعوة ناعمة الأمية، ونشرت ثقافة القراءة، ثم نهاية الرواية معززة لهذا التأويل، إذ تخصص في تمويلها بعد موتها ضد جمعيات يهود ضد أمريكا.
“الماضي لا يموت إلى الأبد، بل هو حتى ليس بماضٍ انقضى وزال.”
يلوح في الأفق سؤال حول المغزى من توظيف علاقة امرأة ثلاثية مع المراهقة؟
تماهى شخصية هانا مع ماضي ألمانيا النازية، فهي من الجيل العلمي الذي عصر تلك الحقبة التاريخية السوداء. أثناء وجوده في مايكل (الجيل الثاني بعد الحرب).
يبدو أن الكاتب قد يتجه إلى استحضار الماضي لمحاكمته من خلال شخصية هانا، حيث بات يعرف في أدب ألمانيا الأب الأدب، وهو الأدب الذي يسائل عن دورهم في الحرب. فالرواية محاولة من الجيل الثاني للتصالح مع جيل آبائهم أبان المجازر النازي.
يقول روبرت إيجلستون:
"لا يوجد هناك الرواية المعاصرة إلى أنها انعكاسا للتغيرات الاعتيادية التي حصل عليها مشاهيرنا للماضي، بل ترمي لمساءلة الكيفيات التي ننتمي لها للماضي وكذلك مساءلة تجربتنا الإنسانية بالإضافة إلى ماضوية الماضي."
تضج رواية القارئ بتساؤلات الجيل الثاني الذي شعر بهول ما حدث، فاختلاف الماضي عن الحديث هو تحديدًا ما أدهشًا، ومستعصٍ على إجراء بعض الأحيان في وقت آخر.
” كيف بوسع هؤلاء الذين حكموا بجرائم النازية، أو شاهدوها تحدثوا، أو أشاحوا وجهوهم عنها عند حدوثها، أو تسامحوا مع المجرمين منهم بعد عام 1945 أو حتى قبلها، كيف بمقدورهم أن يكون لديهم شيء ليقولوه لأبنائهم؟ لكن على الجانب الآخر كان الماضي النازي يمثل قضية حتى بالنسبة للأبناء، الذين لم يحشدوا أيديهم بأي شيء أو لم يكذبوا في ذلك. بالنسبة لهم، لم يكن من الممكن أن يتشكل الجبل مع الكون النازي إلا من مجرد صراع الأجيال، ولكن كان هو نفسه.