المنتقى النفيس من تلبيس ابليـس

اسم المؤلف : ابن الجوزي

بقلم علي حسن علي عبد الحميد

جزء من تقديم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعود باللهِ من شرورِ نجمة ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَن يضلِل ؛ فلا هادي له.

وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

فإِنَّ الله يقولُ في مُحْكَمِ قُرآنِه حكايةً عن إبليس : قَالَ أَنظِرني إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِين قَال فَمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ. لااتِيَنَّهُم منْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَنِهِمْ وَعَن شَمَابِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَكِرِينَ ﴾ [الأعراف : ١٤ - ١٧ ] . لاعتبارية الآية الجليلةُ تُبَيِّنُ معالمَ حَربٍ مشتَدَّةِ بينَ الشيطانِ وجُندِهِ من مكان، وأولياء الله وعبادِهِ من مكانٍ أُخْرى.

ثُمَّ الحربُ الشَّّعْواءُ لا عاصِمَ للمؤمِنِ منها؛ إلا استعانَتُهُ بربِّهِ سبحانه وتعالى، وتسلُّحُهُ بالعلم النافع والعَمَلِ الصالح، حتى لا يَجْعَلَ للشيطانِ وجُنْدِهِ مَنافِذَ منها يسلكونَ، وإليه بواسطتها يَدْخُلُونَ.

والشرارة الأولى لهذه الحربِ القاصفةِ كَانَتْ منذُ أَنْ خَلَقَ اللهِ سبحانَهُ نبيَّهُ أدَمَ : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) [طه: 12].

ومِن يَوْمِها والحَرْبُ سِجَالُ بينَ الشيطانِ ومُريديه، وأول الله وعَابِدِيهِ، فأحياناً يكونُ تجسيدُ لجانِبِ الشَّرِّ، وغالباً تكون الغَلَبَةُ لجانبِ الخير .

وقد تنبهت عُلماءُ الأمَّةِ وصفِ الأئمَّةِ إِلى هَذا الصراع العاصفِ، فأَلَّفوا المؤلَّفاتِ الكثيرة المُنَبِّهَةِ للعِبادِ الصادقين، والمسلمين المُتَّقِين،

تُحَذِّرُهُم من شُروِر إبليس، وتتنهاهم عن مفاتنه وتلبيساته : فَلَفَّ اللَّهُ ابنُ أَبي الدُّنيا المتوفَّى سنة (٢۸۱هـ) كتابه «مكايد الشيطان» (۱) .

وأَلَّفَ الشيخ أبو حامد الغزالي المتوفى سنة (٥٠٥هـ) كتابه «تلبيس إبليس

وألف التكيف لنا الله الهُمامُ ابنُ الجوزي كتابه «تلبيس إبليس»

وجاءَ من بعدهِم ابنُ قيِّم الجوزاء المتوفى سنة (٧٥١هـ)،

فألف كتابه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (٢) .

وهكذا في سلسلة المصنَّفاتِ العلميَّةِ النافعة الراغبة في أصحابها - رحمهم الله - كشف مصايدِ إبليس، و تكيفت معه،

وإيضاح تَغْريراته . الأمر كذلك؛ رأَيْتُ من واجبي أَنْ يكون لي نَوْعُ إِهِتار في البعد هذه المسافة النيّرَة الطيبة، ولكن ....

قَرَأْتُ في سيَرِ أَعلام النُّبَلاء » (۲۷۳/۱٥) لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمس الدين في ترجمة الإِمام المُقري ابنِ مُجاهد ما نصه : «قالَ ابنُ أبي هاشم قالَ رجلٌ لابنِ مجاهد : لِمَ لا تختار لنفسِك حَرْفاً؟ قال: نحنُ إِلى أَن تَعمَلَ أَنفُسُنا في حِفْظِ ما استمتع بهِ أَتَمَّتُنا أَحوَجُ منا إلى اختيارِ».

فوقع كلامه الله في قلبي، فتَلَمَّسْتُ كتاباً يمكن لي خلالِ خدمته أن أُضيف سلاحاً جديداً بيَدِ عبادِ اللهِ الموحدين، ضد الشيطان اللعين، في حَرْبِهم معه حتى يَسْتَكين! فلاختيار لكتاب تلبيس إبليس» للإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى ، وذلك بحضور :

أَوَّلاً: حُسْنُ مُعالَجَتِه لِما طَرَقَهُ في كتابه من مواضيعَ مُهِمَّة تنفع بها

المحترف : مُشابهة الواقع الذي تكلَّم عنه المؤلِّفُ في كتابه للواقع الذي نُعايِشُهُ في أَيَّامنا هذه.

ثالثاً : الشُّهْرَةُ الكبيرةُ التي نالها الكتاب بين طبقاتِ الناس كافةً: خاصة وعامة .

: عدمُ وجودُ نُسخةٍ مُحَقَّقةٍ التحقيق العلمي الرابع الذي يطمَئِنُّ إِليهِ المستهلكِ الأثري والكشف عن العلم .

وغير ذلك من أسباب لا تخفى عند التأمل .

المجمعة بتصنيف هذا الكتاب الذي بين يديك - أخي القارئ - على النحو الذي ترى ؛ سائلاً الله سبحانه أن ينفع به قارثه، والناظر فيه، وأن يكتُب الأجر لمؤلفه تعليله ومُنتقِيه، إِنَّه سميع مجيب ...

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .

كتبه

أبو الحارث الحلبي الأثري