هارون الرشيد

بَلَغَ اسم هارون الرشيد، من المكان في تاريخ العالمين العربي والإسلامي، أنه اكتسب أسطورية مشهورة تخطّت سائر العالمين إلى أمم كثيرة تُرجمت أخباره إلى لغاتها، وصارت أخباره فيها كحكايات «ألف ليلة وليلة».وأسباب هذه الشهرة العديدة أبرزها: تقدم الحضارة الإسلامية في عصره مرتبةً. ازدهرت في العلم والشعر والأدب والفن؛ وتابعت الأحداث التي جرت في عهده؛ والثراء الفاحش الذي حققته الدولة؛ وما رُوي، حول بلاطه وقصوره وزرائه وحاشيته، من أخبار الترف والبذخ والأنق. غير أن تمييزَ ونَزَعات، وأبرزها الشعوبية، قد عبثت كثيرًا بهذا الخليفة، وشوّهت حقيقيته، وأصدرته خطأً بنوادر المجون والخلاعة، وقدت، على الأخص، أن تمس نزعها العربية، وصموده في وجه الشعوبيةَصدّيه لها وانقضاضه عليها. هذا التجنيني على التاريخ العربي، من خلال عملية سيرة هارون الرشيد، هو الذي دفع المؤلف إلى وضع كتابه، ورَسْمِ صورةٍ صحيحة له، ودحْضِ ما حِيكَ حوله من افتراءات تفوق ما انطلقت منه كان نزعة الشعوبية التي استهدفت القومية العربية، وما زالت. ويلاحظ قارىءُ الكتاب أن المؤلف كان معتدلاً لم يَنْزِع إلى التطَرّف، مُنْطلَقُه العام: أن تاريخ العرب لا يزال بحاجة إلى دراسات تُخَلّصه من عَبَثِ العابثين، وأن كتابه محاولةٌ تندرج في هذا الإطار، يتطلع إلى هذه الغاية