ممر المشاة - ممر المشاة

حين يخيّم الصمت بيننا، يبدو لي وجهه مثل كلمة على الرأس، وأخيراً أخشى أن أشعر بالتفو عليه. فالمرء يشعر بتفوّقه على من كان يومه سييّاً. إذن تقديم العزاء والمواساة للآخر لا يخلو من بعض بالتفوّق، لذلك، من حسن إدراك المرء ألّا يشعر بفارق كبير ما بين اليوم الجيّد والسيّئ، وأعلم أنّ الحياة تقوم بمهمّتها على أكمل وجه منذ بدايتها، وأن تسعى إلى مهمّتها هذا الأمر ما تستطيع من مفاجأة، كي لا ينكسر العقل به وتتاوى عليه النفس.
كوكبة هي التي تجنّبتُ أن تكون سعيداً فيها، كنتُ فقط أتعطى الأمور كما أتعطى الماء شرب ما دام موجوداً، ولم يحدث أن تهتُ في الصحراء عجزت في الرمق الأخير كي أعرف حقيقة بعد ذلك، لكنّي مؤكد سوف أتعطى المكان كما هو عليه أثناء الحصولي على ما يرام في الرمق الأخير، ولكن أقول إنها حادثة فريدة إذ حدثتها.
الشيء الوحيد في هذه الحياة هو أن يتوقّف المرء عن البطولة بالدافع الأهمية ما دامت مسألة الخلود ليست من التنجيم، فحبّ البطولة يرمي بصاحبه في فشل لا لذلك إلّا لحظة فقره بقدر كبيره أشياء كثيرة كانت بمعظمها، وتفوق حقيقة حقيقة تلك الأشياء التي تسعى وراءها لاهثاً بجهد جبائي لا يخلو من كبار القادة مع نفسه، وهناك الأهمّية الوحيدة وحيدة في هذه الحياة وضع في جهله ككائن ت والآن فلتك والأذى منذ ذلك الحين ومع ذلك تبقى على قيد الحياة يشرب الماء أثناء المقهى. وحين يحل الصمت بيننا يبدو وجهه أشبه بكلمة على طرف اللسان، وأخشى دائما أن أشعر بالتفوق عليه. عادة ما يشعر المرء بالتفوق على شخص يمر بيوم سيء. حتى تقديم التعازي والمواساة للآخرين يتضمن إلى حد ما شعوراً طفيفاً بالتفوق، ولهذا السبب فإن إحدى مزايا الإدراك البشري هي عدم الشعور بفارق كبير بين يوم جيد ويوم سيء، وإدراك أن كل شيء على ما يرام. أن الحياة تؤدي مهمتها على أكمل وجه منذ بدايتها، وأن ندرك مهمتها بأقل قدر ممكن من الاندهاش، حتى لا يصاب العقل والروح بالإحباط منها.
لقد مررت بمواقف كثيرة كنت أتجنب فيها السعادة، كنت أتعامل مع الأشياء بعفوية كما أشرب الماء ما دام متوفراً، ولم يحدث قط أن ضللت طريقي في الصحراء ووصلت إلى حد إرواء عطشي بجرعة ماء قبل أنفاسي الأخيرة لأدرك المشاعر التي كنت أحس بها في تلك اللحظة، ولكنني بالتأكيد سأتعامل مع الموقف وكأنني أشرب الماء قبل أنفاسي الأخيرة، ولن أقول إنها حادثة غير عادية، لأنها حدثت بالفعل.
الاستثنائي في هذه الحياة أن يتخلى الإنسان عن بطولاته الأنانية (الأعمال البطولية التي يقوم بها من أجل الأنانية) ما دامت مسألة الخلود لا تعنيه، فالإعجاب بعمل البطولة يوقع صاحبه في فشل لا يدركه إلا حين يشعر بمدى ما فقده، والذي كان في متناول يده، وقيمته الحقيقية تفوق حقيقة ما سعى إليه، وهو يلهث بجهد هائل ينقل نفاقه مع نفسه، وأعتقد أن أهمية الإنسان الوحيدة في هذه الحياة تكمن في شعوره العميق بأنه مخلوق تعرض للإساءة والقتل طوال حياته، ومع ذلك نجا، يشرب الماء كلما توفر.