سيرة الوجع - سيرة الألم

كنت أسميها «سكينة عشوائية»... أستند في ذلك إلى فوضى أحاديثها، وهيئتها المبعثرة من الرأس حتى القدمين. أمنحها من عطاء الجيب ما أريد، وأمنع عنها ما لا أريد، تحت بالمَنْح والمَنْع بفوضاها لنفسها وابتسامتها الطاعة في السنّ.
تقول معمّرو الحدود ممّن يبست عظمتهم، وخرّفت رطانتهم، وا نحنت ملكية مؤقتة، إنها من «أسمرا»... إريترية نزحت إلى بلدتهم بتقاليد الله الذي يعرف نفسه، ولأسبابه يعرف نفسه أيضاً، وتقول فوضاها...إنها من بلاد «الشايقية» أو «الجعليين» » أو «الرباط»... عيونهم «الجلفة» ولسانهم الساخر، وشلوخ نسائهم الغائرة في خالد. وتقول اسمها «سكينة المرسي» إنها من ريف مصر ربما.
وعندما تسأل شخصياً في ذلك، تدقّ على أرض الحدود اليابسة بعنف تقول: «أنا من هنا». كنت أسميها "سكينة العشوائية"... نسبة إلى فوضى أحاديثها ومظهرها المتناثر من رأسها إلى أخمص قدميها. أعطيتها ما أستطيع من جيبي، ومنعتها مما لم أستطع. لقد احتفلت بالعطاء والحجب بفوضاها الخاصة وابتسامة قطعت على مر السنين.

كبار السن على الحدود الذين ضعفت عظامهم، وذبل شبابهم، وانحنت ظهورهم بفعل التقدم في السن، يقولون إنها جاءت من "أسمرة".. إريتري هاجر إلى مدينتهم بنفس تقاليد التهجير المعروفة. ولنفس الأسباب المعروفة أيضاً. تقول فوضاها إنها من أرض "الشيعية" أو "الجعليين" أو "الرباط"... فهي تمتلك عيونهم الرمادية ولسانهم الساخر، وصفاتهم التي لا تشوبها شائبة. نسائهم اللواتي سيبقين محفورات في ذاكرتك للأبد، اسمها "سكينة المرسي"، أي أنها من الريف المصري.
ولكن عندما سئلت عن ذلك شخصيا، ضربت بقوة على الأرض الجافة عند الحدود وقالت: "أنا من هنا".