دفاتر القرباط - دفاتر قربات

على العتبة، أقف وأراقب جدار المطروشس الأبيض. جدّتي تنهض من نومها، مجّلة هذه الرهبة التي هي في عيون الآخرين، فأقترب منها. تحتج عائشة وتحاول أن يتمسكني من يدي لتبعدني عنها. تقول: «انهض فجدّتي تريد أن تفطر، وشاهد لها أن تتركني، وعائشة تغمزني كي أنهاض فلا أنهاض.
أحبّ ألوان ثيابها وتذكرا وهي تتمسك بشعري، ويعنيها وهما تُفهمان أبي أن يكفّ عن عاداته السيّئة ويكبر يمكن أن يكون مهابًا كجدّي أو في الأقل مثل عمامي الذين يرحلوا. اعتدي على العتبة ويحدّق في الفراغ. جدّتي لا تتكلّم إلّا قليلًا جدّيًا. لا تخرج من غرفتها إلّا إلى مزار عنّاب الذي يعتقد الجميع أنه الأب الكبير الذي يريدّ في هذه الأرض ومنح هذه السلالة الشرعية للوجود.
جدتي تروي الحكاية للمحلّقين حولها. أحبّ النور المنبعث من اجلها وسمع الخرافات التي تروى عنها وأستمتع بها. كنت ذلك الذكر الذي إيتدى بذكورته، حاملًا هذا الإرث الكبير الذي بدأ يكبّلني وأنا أنسى رائحة البراري التي توح من مسامّي. على عتبة الباب، أقف وأراقب الجدار المغطى بالجير الأبيض. تنهض جدتي من نومها مزينة بهذه الرهبة التي أراها في عيون الآخرين، فأقترب منها. تعترض عائشة وتحاول أن تمسك بيدي لتبعدني عنها. تقول: "استيقظ، الجدة تريد أن تتناول الإفطار". تشير لها جدتي أن تتركني وشأني، لكن عائشة ما زالت تغمزني حتى أنهض، لكني لا أفعل ذلك.

أحب ألوان ثيابها، ورائحة يديها وهي تمسك بشعري، وعينيها التي توحي لأبي بضرورة الإقلاع عن عاداته السيئة، وأن يكبر ليصبح رجلاً محترماً كجدي، أو على الأقل كأعمامي الذين رحلوا. يجلس أبي على عتبة الباب، ينظر إلى الفراغ. جدتي لا تتكلم إلا نادراً، لا تخرج من غرفتها إلا لزيارة محراب شجرة السدر، التي يعتقد الجميع أنها قبر الأب العظيم، الذي استوطن هذه الأرض ومنح هذا النسل شرعية الوجود.

تروي جدتي الحكاية للناس المتجمعين حولها، أحب النور الذي ينبعث من يديها، وأستمع إلى الأساطير التي تُحكى عنها وأستمتع بها. كنت ذلك الرجل الذي يتبختر برجولته، حاملاً هذا الإرث العظيم الذي بدأ يثقل كاهلي، وأنا أنسى رائحة البرية التي تنبعث من مساماتي.