بنت الخياطة - ابنة الخياطة

أنا سيرون الأرمنية، وكيلة الذلّ في الصحراء. ليس في ذاكرتي إلّا أعمارُ التيه والإهانة والانحلال والموت. ليس في الجسم إلّا رائحة المنيّ والمقابر والقيح والدم المتخثّر. أنا الجثّة التي ولدت من جثّة: لمَن أسلّم رفاتي التي تتناسل في الأمكنة؟ أنا ميسان الفلسطينيّة، ابنة الأرض المذهّبة بالشمس، صاحبة العين التي تقاوم الزجاج، لن أسلّم مفاتيح الزجاجة، ولن يتقن النبيذ، ولن أتحرر، حتى أشهد العودة إلى الأرض أنا شيرين. اللبنانية، أشرب خراب لبنان وآلامه، ليعود القمر يزهو فوق جباله، من دون أن يتري لحمه الأبيض جرحٌ أو هوان.أنا جميلة السورية، الكرة الأرضية الوديعة، أرفع دمي في لا وجه الليل لتكون جمرةً تحرق لتدميرها. ادموا السماء عليَّ، اطلبوني تحت غيومٍ، وممدوني في شرايين الماء لكي أكمل.أنا الأرمنية، الفلسطينية، اللبنانية، السورية. أنا الجدّة والأم والابنة والحفيدة. أنا رحم المدوّدة، الدورة الدموية التي بدأت بالانتحار، وانتهت بالانتحار. كم من ميتات عليّ أن أحصي، كم من حيوات عليّ أن أرثي قبل أن أستحق الضوء؟ أنا سيرون الأرمني وكيل الذل في الصحراء. ليس في ذاكرتي سوى عصور التيه والذل والاضمحلال والموت. ليس في جسدي إلا رائحة المني والقبور والصديد والدم المتخثر. أنا الجثة المولودة من جثة: لمن أسلم بقاياي التي تتكاثر في الأماكن؟

أنا ميسان الفلسطينية، ابنة الأرض المذهبة التي تقف شامخة في وجه الظالم، لن أسلم مفاتيح بيوتنا، ولن أغلق النوافذ، ولن أرحل حتى أشهد العودة إلى الأرض.

أنا شيرين اللبنانية، أشرب أنقاض لبنان وأوجاعه، ليعود القمر ليشرق فوق جباله، ويحافظ على لحمه الأبيض من أن تشوهه الجراح أو الذل.

أنا جميلة السورية، الملاك الحارس، أرفع دمي في وجه الليل ليصبح جمرة مشتعلة تحرق يد القاتل، أرمي السماء عليّ، أبقيني تحت غيوم رمادية أبدية، وأنشرني في عروق الماء حتى أمطر.

أنا الأرمنية والفلسطينية واللبنانية والسورية. أنا الجدة والأم والابنة والحفيدة. أنا الرحم الذي انتهك، أنا الدائرة التي بدأت بالانتحار وانتهت بالانتحار. كم عدد الوفيات التي عليّ أن أحصيها، كم عدد الأرواح التي عليّ أن أحزن عليها قبل أن أرى النور؟